أخلاقيات العمــل في الإسلام

من أخلاقيات العمــل في الإسلام

د. توفيق الطيب البشير

حث الإسلام المسلمين على العمل للكسب الحلال ، وجعل طلب الحلال عن طريق العمل واجب على كل مسلم ، فالعمل في الإسلام عبادة وجهاد في سبيل الله وشهادة أيضاً . يقول  تعالى :[ وآخرون يضربون في الأرض يبتغون من فضل الله وآخرون يقاتلون في سبيل الله ] المزمل  20

وفي الحديث روى الطبراني عن كعب بن عجرة رضي الله عنه قال : مرّ على الرسول (صلى الله عليه وسلم) رجل فلاحظ الصحابة رضوان الله عليهم الجد والنشاط عليه فقالوا يا رسول الله : لو كان هذا في سبيل الله ؟

فقال ((صلى الله عليه وسلم)) : [ إن كان خرج يسعى على ولده صغاراً فهو في سبيل الله . وإن كان خرج يسعى على أبوين شيخين كبيرين فهو في سبيل الله ، وإن كان خرج يسعى على نفسه يعفها فهو في سبيل الله  وإن كان خرج رياءً ومفاخرة فهو في سبيل الشيطان ]

والرسول ((صلى الله عليه وسلم)) هو القائل : [ من سعى على عياله من حل فهو كالمجاهد في سبيل الله ومن طلب الدنيا حلالاً في عفاف كان في درجة الشهداء ] وقد قال لقمان لابنه وهو يعظه : يا بني استغن بالكسب الحلال عن الفقر فانه ما افتقر أحد قط إلا أصابه ثلاثة خصال : رقة في دينه ، وضعف في عقله ، وذهاب مروءته  وأعظم من هذه الثلاث استخفاف الناس .

والعمل في الإسلام شرف ،

يقول تعالى : [ ومن أحسن قولاً ممن دعا إلى الله وعمل صالحاً ] فصلت 33

والعمل في الإسلام نعمة ،

يقول تعالى : [ ليأكلوا من ثمره وما عملته أيديهم أفلا يشكرون ] يس  34

ولقد خلق الله الإنسان وجعله خليفة في الأرض ثم أمره بالعمل لكسب الرزق .

يقول تعالى : [ فإذا قضيت الصلاة .فانتشروا في الأرض ] الجمعة 10

ويقول : [هو الذي جعل لكم الأرض ذلولاً فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه وإليه النشور] الملك  15

ويقول : [هو أنشأكم من الأرض واستعمركم فيها] هود  61

ولذلك كان على الإنسان الذي استخلف في الأرض واستعمر فيها عمارة الأرض واستثمار خيراتها .

والإعمار هو الإنتاج والتنمية بالعمل الرشيد حيث أن العمل يشكل أهم عوامل الإنتاج في الإسلام .

والعمل تكليف إلهي ناتج عن استخلاف الله لعباده في الأرض .

التكسب الحلال واجب وفريضة :-

       جاء في رواية الطبراني عن أنس رضي الله عنه عن النبي (صلى الله عليه وسلم) أنه قال : [طلب الحلال واجب على كل مسلم ]

وروى الإمام البيهقي عن عبد الله بن مسعود رصي الله عنه قال : قال رسول الله (ص) : [طلب كسب الحلال فريضة بعد الفريضة ]

وحول فرضية كسب ما لا بد منه يقول الإمام الشيباني : ” ثم المذهب عند جمهور الفقهاء رحمهم الله تعالى من أهل السنة والجماعة أن الكسب بقدر ما لا بد منه فريضة .”

ثم إننا نجد بعض العلماء قد استدلوا على ذلك بقوله تعالى : [فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله ] . الجمعة 10

إلا أن الإمام الشيباني كان قد استدل أيضاً على قوله تعالى :[ انفقوا من طيبات ما كسبتم ] البقرة 267

والرسول (صلى الله عليه وسلم) يقول طوبى لمن طاب كسبه ، وهو القائل : [من أكل الحلال أربعين يوماً نور الله قلبه وأجرى ينابيع الحكمة من قلبه ولسانه]

وهو القائل : [التمسوا الرزق في خبايا الأرض ] ، وهو القائل : [كل لحم نبت من سحت فالنار أولى به .]

ويقول الرسول (صلى الله عليه وسلم) عن يد تورمت بالعمل : [هذه يد يحبها الله ورسوله .]

وهو القائل أيضاً : [ من أمسى كالاً من عمل يده أمسى مغفوراً له .]

وهو القائل : [ إن من الذنوب ذنوباً لا تكفرها الصلاة ولا الصيام ولا الحج ولا العمرة، تكفرها الهموم في طلب المعيشة .]

الإسلام  ينبذ السؤال  والعطالة و والتبطل   :

       يحض الإسلام على العمل والسعي لكسب الحلال ويرفض التبطل والعطالة وسؤال الناس فقد ثبت أن الرسول (صلى الله عليه وسلم) كان يأمر العاطلين بالعمل . روى الإمام البزاز عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رجلين أتيا رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فسألاه فقال (صلى الله عليه وسلم) : [اذهبا إلى هذه الشعوب فاحتطبا فبيعاه .]

وينقل ابن الجوزي عن محمد بن عاصم قال : “بلغني أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان إذا رأى غلاماً فأعجبه سأل عنه .. هل له حرفة ؟ فإن قيل لا قال : سقط من عيني “

وروى عن ابن مسعود أنه قال : ” إني لأكره الرجل فارغاً لا في عمل الدنيا ولا في الآخرة

روى عن عبادة بن قرة قال : ” لقي عمر بن الخطاب رضي الله عنه ناساً من أهل اليمن فقال من أنتم ؟ فقالوا : متوكلون . قال : كذبتم ما أنتم متوكلون إنما المتوكل رجل ألقى حبة في الأرض وتوكل على الله  “

ونقل أبو القاسم عن الإمام أحمد بن حنبل أنه سأله : : ما تقول في رجل جلس في بيته أو في مسجده وقال : لا أعمل شيئاً حتى يأتيني رزقي . فقال أحمد : هذا رجل جهل العلم ، أما سمعت قول رسول الله (صلى الله عليه وسلم) “جعل الله رزقي تحت ظل رمحي والحديث الآخر في ذكر الطير تغدو خماصاً وتروح بطاناً ، فذكر أنها تغدو في طلب الرزق”

والإسلام لا يمنع البطالة والتبطل فحسب بل انه يمنع حتى ذلك الشخص الذي يترك العمل وينصرف بكلياته للدين والآخرة .

والرسول (صلى الله عليه وسلم) هو القائل : [ ليس خيركم من ترك الدنيا للآخرة ولا الآخرة للدنيا ولكن خيركم من أخذ من هذه وتلك ] ناظراً بالطبع للآية الكريمة : [وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة ولا تنس نصيبك من الدنيا واحسن كما أحسن الله إليك ] لقمان 77

إن الإسلام دين عمل ولذلك فقد ثار ثورة كبرى على البطالة والتبطل والسؤال .. وأن الكسب الحلال فريضة وان الأنبياء كانوا يعملون .. وهاهو ابن الخطاب يقول : ” إني أكره أن أرى الرجل فارغاً سبهللاً لا هو في عمل دين ولا في عمل دنيا.” وكان أبو تمام يقول في بعض الكلام عن البطالة والتبطل :

بصرت بالراحة الكبرى فلم ترها             تنال إلا على جسر من التعب

وكان عبد الله بن معاوية يشجع على العمل فيقول :

لسنا وإن كرمت أوائلنا              يوماً على الأحساب نتكل

نبني كما كانت أوائلنا               تبني ونفعل مثلما فعلوا

كانت فكرة العمل في بدايتها فكرة مقبوحة فقد كان الروماني قديماً لا يعمل إلا إذا كان من طبقة العبيد . وكان العمل بالنسبة للسادة الرومان عاراً وخيبة ، وكان العامل المستعبد مسخراً لا أجر له يعمل ليأكل فقط فإذا تمرد عوقب بالسجن او بالجلد  .

جاء الإسلام فثار على هذه الفكرة المقبوحة وشجع على العمل وأمر بأن يعطى العامل أجره قبل أن يجف عرقه .. وأصبح المتبطل العاطل هو المنبوذ المقبوح وأصبحت البطـالة رق والكسـل عبودية ســواء كان معــها مال عريض أو فقر مدقع وظلت البطالة الهم الشاغل لدى جميع الدول المتقدمة والنامية على السواء  .

ولم يقف الإسلام عند حد المطالبة بالعمل ونبذ التبطل والكسل وإنما ذهب إلى ما هو أبعد من ذلك بكثير فطلب إتقان العمل كما قال النبي المصطفى صلى الله عليه وسلم إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه ، والإتقان هو أعلى مراتب الجودة التي سعت جميع الدول الآن إلى استشعار أهميتها في إنجاح أي نشاط.

هذه المقالة كُتبت في التصنيف مقال اقتصادي. أضف الرابط الدائم إلى المفضلة.