دار الضرب هل كان بنكاً مركزياً؟

 دار الضرب هل كان بنكاً مركزياً ؟

د. توفيق الطيب البشير

وحتى يومنا هذا لا نستطيع القول بأن هناك تعريفاً جامعاً مانعاً للبنك المركزي ولكنه على كل حال هناك شبه اتفاق عام على تعريفه تعريفاً يدور حول وظائفه الخاصة.

فقد عرفه الدكتور محمد زكي شافعي بأنه الهيئة التي تتولى إصدار البنكنوت وتضمن بوسائل شتى سلامة أسس النظام المصرفي ويوكل إليها الإشراف على السياسة الائتمانية في الدولة بما يترتب على هذه السياسة من تأثيرات هامة في النظامين الاقتصادي والاجتماعي.([1])

وفي محاولة أكثر شمولاً وتفصيلاً يقدم لنا الدكتور سامي خليل تعريفاً للبنك المركزي قائلاً : “هو مؤسسة مالية تكون مملوكة للدولة أو تحت إشرافها المباشر وتتولى الإشراف على العمليات النقدية التمويلية العامة للدولة عن طريق إدارة هذه العمليات ورسم السياسات النقدية للدولة فضلاً عن قيامه بدور القائد لسوق النقد والمشرف على نشاط المصارف التجارية باعتباره أعلى سلطة نقدية. ([2])

يعود تاريخ المصارف المركزية الحديثة عند كثير من المؤرخين الاقتصاديين إلى بنك إنجلترا الذي يعد حقيقة ، نقلة نوعية كبيرة في هذا الفن المصرفي الحديث.([3])

ولقد أنشئ بنك إنجلترا باكتتاب عام سنة 1694م ، لغرض واضح هو تسليف الحكومة مقابل منحه امتياز إصـدار الأوراق النقـدية بموجب أحكام قانون أقره البرلمان. ولقد كان هذا الامتياز خاضعاً لقيود وشروط محددة لأنه كان قابلاً للتجديد بصفة دورية وكان يجدد معه حق إصدار النقد مقابل تقديم قروض إضافية للحكومة.([4])

وبهذا التطور الهام الذي طبع به بنك إنجلترا موقفه العام كمصدر للنقود (مع مؤسسات أخرى) بالإضافة إلى وظيفته الجديدة كبنك للحكومة ووكيلها استطاع البنك أن يكسب ثقة الكثير من المصارف الخاصة التي بدأت تظهر في القرن الثامن عشر

وفي تطــور مهم جداً ، كان هناك قانــون جديــد قد صــدر عام 1844 م (The bank charter act.)  ليعطي بنك إنجلترا الحق في احتكار الإصــدار النقدي في نطاق دائري نصف قطره 3 أميال من مدينة لندن ، ولم يسمح لأي بنك آخر جديد بالقيام بهذه المهمة

لقد بــات من المؤكد أن الولايات المتحدة ظلت طوال الفترة من 1833م ، وحتى 1913م بلا بنــك مركزي رسمي ، وذلك على الرغـم من الجهود التي بذلتها اللجنة النقدية الوطنية عام 1908م لإقامة النظام المصرفي المركزي.([5])

وحينما استقر الأمر على ضرورة إنشاء بنك مركزي ثار جدل كبير حول من يديـر هذا البنك ، وكان بالطبع توجه الحكومة الاتحادية هو السيطرة عليه وكذلك كانت رغبة القطاع الخاص والبنوك الوطنية من الجهة الأخرى.([6])

ولم يطل هذا الجدل كثيراً ، فقد تم الاتفاق على اختيار اثني عشر بنكاً احتياطياً اتحادياً لكل منها سلطة على منطقة محددة من مجلس احتياطي اتحادي للتنسيق فيما بينها في واشنطن العاصمة . ثم ما لبثت هذه البنوك أن منحت احتكاراً جزئياً لإصدار النقود ثم ما فتئت أن قد صارت الوكيل المالي للدولة والقيّم على احتياطيات المصارف إدارة ورقابة ومن ثم المقرض الأخير للبنوك كل في دائرة اختصاصه.([7])

أما في النظام الرأسمالي فقد دار جدل كثير حول أي الوظائف يمكن أن تكون أكثر التصاقاً بالبنك المركزي ، فاعتبر هاوتري (Hawtrey) أن وظيفة البنك المركزي الأساسية هي اعتباره كمقرض أخير للبنــوك ، واعتبرت فيرا سميث (Vera Smith) أن الإصدار النقدي هو أهم وظيفة للبنك المركزي في مراقبة الائتمان ، وذهب آخرون إلى اعتبار المحافظــة على القاعدة النقدية والتي تتضمن مراقبة التداول النقدي هي أهم وظائف هذا البنك.([8])

وعملية إصدار النقود هي أسبق وظائف البنك المركزي إلى الظهور ([9]) بل هي أسبق بكثير من ظهور البنك المركزي نفسه ، وبالتالي فإن ربط هذه الوظيفة بالبنك المركزي إنما جاءت لأهمية إحالة هذا العمل الحيوي إلى جهة متخصصة ذات سيادة اقتصادية ، وقد كانت البنوك المركزية حتى أوائل القرن العشرين تعرف ببنوك الإصــدار.([10])

وبالرغـم من أن سلطة إصدار النقد تعتبر محتكرة لدى معظم البنوك المركزية في العالم ، إلا أنه وفي أكبر دولة مطبقة للنظام الرأسمالي وهي الولايات المتحدة تعتبر هذه السلطة جزئية ، وأن البنوك الاتحادية الموجودة في الولايات المتحدة لا تتمتع باحتكار كامل لإصدار الأوراق النقدية ، ولقد حددت إصدارات المصارف الوطنية في الولايات المتحدة بالمبالغ التي كانت قائمة لسندات الحكومة الخاصة والتي تحمل امتياز التغطية لمثل تلك الأوراق ، على أن يتم استردادها تدريجياً ، ولكن مع ذلك يمكن اعتبار نظام الاحتياط الاتحادي صاحب النصيب الأكبر في عملية الإصدار.([11])

 

المراجع:

[1] – مقدمة في النقود والبنوك ، مرجع سابق ، ص 281

[2] – عبد الله الشهري ، دور البنك المركزي في تحفيز سياسة الإقراض لدى البنوك التجارية مع التطبيق على المملكة العربية السعودية – بحث مقدم لمعهد الإدارة العامة سنة 1989 ، ص 5 نقلاً عن د. سامي خليل ، النقود والبنوك – شركة كاظمة للنشر – الكويت 1982 دون ذكر للصفحة.

[3] – انظر د. صبحي تادرس قريصة و د. مدحت محمد العقاد . مقدمة في علم الاقتصاد (بيروت : دار النهضة العربية ، 1983) ص 371 . وانظـر كذلك : م. أ. ج . دي كوك . الصيرفة المركزيــة (بيـروت : دار الطليعة ، 1987) ص 13

[4] – م.أ.ج دي كوك . المرجع السابق ، ص 13

[5] – Modern Money and banking. Op-cit P. 365

[6] – Ibid. P. 365

[7] – م.أ.ج دي كوك ، مرجع سابق ، ص 18

[8] – انظر للتوسع في هذا دي كوك ، المرجع السابق ، ص 25 وما بعدها

[9] – إذ يرجع تاريخها إلى ما قبل الإسلام ويعزى إلى عبد الملك بن مروان ضرب أول نقود إسلامية وكان ذلك عام 76هـ أي قل ألف عام تقريباً من ظهور بنك إنجلترا ، انظر ذلك بتوسع في الباب الثاني من هذه الدراسة ، ص …..

[10] – د. زكي شافعي ، المرجع السابق ، ص 284

[11] – دي كوك ، مرجع سابق ، ص 30​

هذه المقالة كُتبت في التصنيف غير مصنف. أضف الرابط الدائم إلى المفضلة.