نحو آلية شرعية لقضاء الدين عن المدينين

نحو آلية شرعية لقضاء الدين عن المدينين

د. توفيق الطيب البشير

انتشر في الأونة الأخيرة ملصق إعلاني لخدمة جديدة شغلت إعلاناتها أماكن الصرف الآلي في كثير من المواقع بمدينة الرياض وربما طال الأمر مناطق أخرى من المملكة . تدور فكرة الخدمة الجديدة حول قيام مروجيها بتحمل تبعات سداد مدينونية المعسرين سواء كانوا مؤسسات أو شركات أو أفراد وسواء كانت هذه المدينونية لبنوك أم لشركات التقسيط المنتشرة غي المملكة من خلال آلية لم تكن حتى الآن واضحة لكثير ممن يقرأون الإعلان.

شرح الفكرة :

وعلى كل حال فالفكرة في رمتها عبارة عن دخول طرف ثالث موسر لشراء دين المعسر وخاصة الذين ضمتهم القائمة المعروفة لدى المصرفيين بالسي لست (C List) أو بعبارة أخرى تكفله بسداد هذا الدين للجهة الدائنة وذلك لإخراجه من هذه القائمة ومن ثم تحرره من قيود التمويل لتتاح له الفرصة مرة أخرى لطلب تمويل جديد يكون فيه المخرج للطرف الثالث حيث يستوفى منه دينه ويترك للعميل جزءا يسيراً من الدين الجديد مضافاً إليه أرباح التمويل .

ولعل في هذه الفكرة بهذا الطرح المختصر تساؤلات كثيرة؛ فهي كأنما تقول ” ماذا جنى هذا المدين ؟ نحن أخرجناه من دين وأدخلناه في دين آخر وحملناه أعباء أرباح التمويل الجديد مع تحمله في بعض الأحيان لعمولة خدمة السداد !!.

وهي كذلك تقول : ماذا جنى الطرف الثالث؟ هو سدد عنك مبلغاً واستلم في مقابله مبلغاً آخر بمجرد حصول المدين الأصلي على التمويل الجديد .

نحن حتى هذه اللحظة لم نتحدث عن الطرف الثالث . ولم نتطرق إلى الآلية التي يعمل بها . وفي الحقيقة فهناك نوعان من الطرف الثالث : طرف ثالث يعقد اتفاقاً مع بعض البنوك وشركات التقسيط التي لديها ديون متعسرة كثيرة يقوم بمقتضاه بسداد مديونيات بعض العملاء المعسرين ويتقاضى مقابل ذلك عمولة مقطوعة من البنك أو الشركة منسوبة إلى إجمالي قيمة الدين ،  وطرف ثالث يتولى بمفرده القيام بهذه المهمة على أن يتقاضى من العميل مبلغاً مقطوعاً عند السداد يأخذه مع إجمالي المبلغ المسدد عند حصول الطرف الثاني على التمويل الجديد.

سيناريو الفكرة وآليتها:

إذن نحن الآن أمام سيناريو يتمثل في وجود ثلاثة أطراف طرف دائن ( دينه متعثر) وطرف ثان مدين معسر وطرف ثالث ( مستثمر) . وآلية تتمثل في قيام الطرف الثالث بالسداد عن الطرف الثاني لدى الطرف الأول فيخرج الطرف الثاني بهذه العملية من قائمة المعسرين أو المماطلين ويتهيأ لتمويل جديد فيقوم الطرف الثالث بمساعدة الطرف الثاني في الحصول على هذا التمويل الجديد ليستوفي منه دينه ويترك الطرف الثاني مرة أخرى مع الطرف الأول مديناً في معاملة جديدة ربما تكون أكبر حجماً من سابقتها وربما مساوية لها.

الفوائد والأضرار المترتبة على الأطراف الثلاثة:

إذن ما هي الفوائد التي يجنيها كل طرف من الأطراف الثلاثة في مثل هذه المعاملة وما هي الأضرار التي من الممكن أن تترتب على كل منهم؟

لا يخفى أن الطرف الأول وهو الدائن سيجنى فائدتين الأولى أنه تخلص من المعاملة المتعثرة والثانية أنه قدم تمويلا جديداً  بالرغم من أنه ربما خسر مقدار العمولة التي يمنحها الطرف الثالث في حالة النوع الأول من أنواع الطرف الثالث التي أشرنا إليها سابقاً .

أما الطرف الثاني فإنه لم يجن فائدة سوى أنه خرج من قائمة المعسرين والمماطلين وأصبح حراً طليقاً يستطيع أن يستدين من جديد ولكنه من دون شك خسر المبلاغ التي حملها على عاتقه من جراء المعاملة الثانية التي لا ناقة له فيها ولا جمل اللهم إلا إذا كان حجم التمويل أكبر من حجم المديونية ، و ربما خسر كذلك مقدار العمولة التي يمنحها الطرف الثالث في حالة النوع الثاني من أنواع الطرف الثالث التي أشرنا إليها سابقاً .

أما الطرف الثالث فإنه سيجني فائدتين الأولى أنه اخذ العمولة سواء كانت من البنك أو الشركة الدائنة أم من العميل والثانية أنه أضاف عميله مرة أخرى إلى قائمة المعسرين الذين يمكن أن يسدد عنهم المعاملة الثانية أيضاً . وليست هناك خسارة متيقنة بالنسبة له ولكن ربما يعاني هو الآخر من وجود عملاء معسرين لا يستطيعون الوفاء بالتزامتهم تجاهه.

التكييف الشرعي للمعاملة :

ليس من شك في أن المعاملة بشكلها الذي تم شرحه ليست متوافقة مع الشريعة الإسلامية وعلى أقل تقدير أنها من الأمور المشتبهات لأنها تنطوي على الملاحظات التالية :

اولاً في حالة الطرف الثالث من النوع الأول:

  • أنها ترتب ضرراً على المدين المعسر من جهة أنه سدد عنه دينه بدين جديد وأرباح جديدة والقواعد الشرعية تنص على أنه لا ضرر ولا ضرار كما أن الضرر يزال شرعاً وإذا أخذنا بقاعدة أذا وقع ضرران يرتكب أخف الضررين فإنه يلزمنا تقييم الضرر الواقع على العميل من وجوده في القائمة الثالثة أو الأرباح التي تترتب عليه جراء ذلك.
  • أنها لم تخرج المدين المعسر من حيث الالتزام من دائرة الدين الذي ربما يكون أكبر بكثير من الدين الأول وإلا ترتب على ذمته الفرق بين الالتزامين لصالح الطرف الثالث.
  • يترتب على صحة هذه المعاملة صحة المديونيتين فمثلاً لا يجوز أن نسدد عن المدين ديناً ناشئاَ بسبب بطاقة ائتمانية غير متوافقة أحكامها مع الشريعة الإسلامية ولا أن نسدد عنه بمعاملة لا تصح شرعاً .

ثانياً في حالة الطرف الثالث من النوع الثاني:

  • ينطبق على هذا النوع من المعاملة كلما ذكر أعلاه ويضاف إليه مايلي:
  • أن الطرف الثالث إذا تمثلت آليته في منح الطرف الثاني مبلغاً نقدياً أو قام بالنيابة عنه بالسداد النقدي للطرف الأول مقابل استيفاء الدين مضافاً إليه (العمولة) فإن هذه المعاملة لا تخرج عن إطار الربا المحرم شرعاً بالكتاب والسنة والإجماع.
  • وأما إذا كانت طريقته هي السداد عن طريق منحه سيارة أو نحو ذلك بأقساط شهرية على أن يقوم هو ببيعها وسداد ما عليه من مديونية فإن هذه بالنسبة إليه يعتبر ضرباً من ضروب التورق ولكن يقتضي ذلك أن يكون الطرف الثالث مالكاً للسلعة التي باعها الطرف الثاني ملكاً صحيحاً سابقاً لإكمال المعاملة.

مقترحنا لتطوير الفكرة:

لا شك أن البنوك وشركات التقسيط تعاني من تراكم مديونياتها وتعسر كثير من مديونيها بشكل يدعو للبحث عن مخرج ويشار في هذه الناحية إلى إحصائيات تقريبية تصل إلى حوالي 7 مليار ريال وهناك إحصائيات تتحدث عن حجم معاملات مستمرة تصل إلى 10 مليار شهرياً تنشأ من بينها معاملات متعثرة تضاف شهرياً إلى المعدل التراكمي السابق وهي قضية لا شك أنها باتت تقلق الجهات الممولة ةتحدث أضراراً على المستوى المؤسسي وعلى الاقتصاد الوطني

هذه المقالة كُتبت في التصنيف غير مصنف. أضف الرابط الدائم إلى المفضلة.